-->
U3F1ZWV6ZTM3MDQyMzIyMTQ4X0FjdGl2YXRpb240MTk2Mzg0MDI2MTg=
recent
مقالات

التربية و المجتمع

التربية و المجتمع

التربية و المجتمع


مقدّمة يحتاج الإنسان للعديد من العناصر في حياته، والتي تعتبر رئيسيّة وهامّة في تحسين حياته، والارتقاء بها، ونهضته هو ومجتمعه على حدٍّ سواء، ومن أبرز هذه العناصر عنصر التربية، والتي تعني إكساب الفرد كافّة أنماط التفكير الإيجابيّة، والمرجعيّات الحسنة المتوارثة سواء الدينيّة أم الاجتماعيّة، والتي يجب عليه استعمالها من أجل التصرّف في كافّة المواقف التي تواجهه. 

لقد اختلفت تعاريف المجتمع باختلاف العلماء الذين تناولوا هذا الموضوع واختلفت كذلك لاختلاف المفاهيم الثقافية كل جماعة أو اختلاف العقيدة أو المبدأ أو الهدف الذي يسعون من أجل تحقيقه 

ويعرف المجتمع (Society ) بأنه جماعة من الناس يعيشون معا ويعملون سويا مدة طويلة بصفة منتظمة وتربط بينهم علاقات اجتماعية ولهم أهداف وموارد مشتركة يستخدمونها في إشباع حاجاتهم في إطار نظام اقتصادي ونظم اجتماعية تساعد علي إشباع احتياجات المجتمع وعلي هذا الأساس يمكن اعتبار الدولة مجتمعا عاما . 
ويمكن تحديد مقومات هذا المجتمع فيما يلي :- 
  • جمع من الناس تربطهم علاقات وتفاعلات اجتماعية 
  • اشتراكهم في الموارد الطبيعية والخبرات القائمة في مجتمعهم . 
  • وجود نوع من تقسيم العمل وتبادل المنفعة بين جماعاته بشكل يحقق التكامل الوظيفي في المجتمع . 
  • وجود رغبات مشتركة بين أفراده . 
  • وجود نظم اجتماعية تحدد العلاقات بين أفراده 
ويرى ابن خلدون أن المجتمع هو المبدع وهو خالق الحضارة والمدنية ثم إن ابن خلدون في مقدمته أيضا يرى أن الإنسان مدني بالطبع أي أنه لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الناس فهو كائن اجتماعي يشعر بالحاجة إلي سواه من الناس للتعامل معهم والاختلاط بهم وإعطائهم والأخذ منهم وهو في حاجة دائمة إلي بني جنسه لإشباع حاجاته . 

و سوف اتناول في بحثي هذا عدة نقاط وهي: 

  • تعريف المجتمع و التربية 
  • عناصر المجتمع 
  • خصائص المجتمع 
  • أهمية التربية للفرد و المجتمع
  •  أسباب ضرُورية التربية للفرد و المجتمع
  • هل ترتبط التربية بالمجتمع؟ 
  • الشروط الواجب توافرها في التربية كي تستطيع بناء دور الفرد في المجتمع 

تعريف المجتمع و التربية 

تعريف التربية والتنشئة المجتمعية 
تعريف المجتمع :هو نظام من صنع الإنسان يتكون من النظم والقوانين، تحدد المعايير الاجتماعية من أجل تعايش أفراد المجتمع مع بعضهم وتجنب الفوضى؛ ليبقى المجتمع متماسكًا مع بعضه، ويجدر بالذكر أن الفرد يتأثر بالمجتمع؛ فإذا كان المجتمع في حالة توازن، فهناك فرصة أفضل لأن يكون الناس فيه فيه حالة توازن أيضاً، وعندما يكون المجتمع غير متوازن؛ أي لا توجد فيه وظائف كافية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الجريمة فيه مثلاً، فإن المجتمع بأكمله سوف يتأثر، ويمكن تحقيق التوازن في المجتمع من خلال عدة نقاط أهمها: 
  • فهم الأولويات: فعندما يكون الإنسان قادراً على تحديد ما هو الأكثر أهمية بالنسبة له بشكل عام وفي الحياة اليومية، فيمكنه حينئذٍ إنشاء جدول لحياته للمساعدة في تحقيق الأولويات. 
  • فهم العواطف: وذلك من خلال معرفة ما يشعر به الفرد، وكيفية إظهاره، فذلك يساعد على فهم المواضع التي تتطلب توازناً أكثر. 
  • فهم مسببات الاختلال العاطفي: مثل الإحباط، والاكتئاب، والإجهاد، والقلق، فذلك يساعد على إنشاء التغيير والتوازن. 
  • وضع الحدود: فعلى سبيل المثال إذا كان الشخص يميل إلى العمل الزائد، فقد يكون من المفيد وضع حدود للعمل من أجل الاهتمام بالأولويات المهمة الأخرى. 
  • القبول والرضى: يجب قبول العالم الشخصي للاستفادة من الموارد الموجودة في داخل الفرد ومن حوله لإيجاد التوازن، بدلاً من محاربة حقائق الحياة، ولكن ذلك لا يعني أن يستسلم الفرد أو أن يتخلى عن أحلامه. 
  • العلاج النفسي: فقد يحتاج تحقيق التوازن والحفاظ عليه أحياناً الحصول على مساعدة خارجية، وذلك حتى يتمكن الفرد من فهم نفسه، وكيفية عمله، وإلى أين يتجه. 
يتمحور مفهوم التربية بالمرتبة الأولى حول دور الوالدين في تنشئة الأبناء، ورعايتهم وحثّهم على الأخلاق الطيبة، والصفات الحسنة، وأهم المهارات الحياتية التي تنعكس على السلوك والفكر للأبناء، حاضراً ومستقبلاً.

يتوسّع مفهوم التربية أو التنشئة ليمتد من الأسرة إلى المدرسة والمجتمع، إذ يتمكن الفرد من التكيّف تدريجياً بمخالطته للمجتمع، دون أن يتم إغفال دور المجتمع في نمذجة السلوكيات العامة، وقولبتها أو تأطيرها بالقبول أو الرفض، بحيث تصبح بمثابة المعيار المرجعي الذي يحتكم له الأفراد تلقائياً، بوصفها معايير المجتمع وضوابطه العامة وأعرافه.

طبيعة العلاقة بين التربية والمجتمع 

تتداخل العوامل المؤثرة في العملية التربوية، ويعد المجتمع واحداً من أهم تلك العوامل، فمنذ مرحلة مبكرة يبدأ الطفل بالتفاعل مع مجتمعه المصغر، أي أسرته، ليبدأ مرحلة إدراكية جديدة، ويبدأ معها أثر هذا التفاعل بالظهور على سلوكيات الطفل البسيطة، بحيث تتطور كفاءات الطفل وتنمو شخصيته وإدراكه، بالتزامن مع تطور تفاعله الاجتماعي، كنوع من أنواع تطور العلاقة الكردية بين التفاعل مع المجتمع وتأثيره على التربية بصفة عامة.

العلاقة بين التربية والمجتمع 

تتمثل العلاقة بين التربية والمجتمع ضمن ثلاثة محاور رئيسية، تتنامى منذ الطفولة، أولها طبيعة السياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد، خاصة على نطاق الأسرة التي تتولى شؤون الرعاية والتوجيه المباشرين، أما ثاني المحاور فهو ما يتعلّق بتطور الكفاءات المرافقة للنمو الطبيعي والنضوج الفكري، والمحور الثالث هو ذلك التصوّر الذي يكوّنه الفرد عن ذاته والمجتمع.

أثر وأهمية البيئات المجتمعية على التربية 

يمكن تلخيص البيئات الاجتماعية في حيز الماديات المحيطة بالفرد، والموارد والعلاقات الاجتماعية التي يتمتع بها ويتفاعل معها، فمثلاً يتأثر الطفل بالبيئة المادية المحيطة به، كالمرافق التعليمية، ومستوى المعيشة العام، أما عل الصعيد المجتمعي فإن ذلك مرتبط بتوفر الموارد الاجتماعية ومدى تطورها، ومدى ترابط العلاقات الاجتماعية التي تثري تجربة الأفراد وخبراتهم. 

تكمن أهمية البيئات المجتمعية في طبيعة تأثيرها على الفرد بمختلف مراحله العمرية، وتقوم بتلك التأثيرات بشكلها المباشر وغير المباشر، فالأبوان، ومكان السكن، وطبيعة الأقارب والجيران، والبيئة المدرسية، ومستوى الحي والمرافق الموجودة فيه، وسلامة العلاقات الاجتماعية أو توترها، كلها بيئات وعوامل تؤثر بشكل متكرر على الطفل، والمراهق، وكل من الأبوين، وعلى الأسرة بشكل عام.

عناصر التنشئة المجتمعية وتأثيرها التربوي 

تعد الأسرة، ووسائل الإعلام، والثقافة المجتمعية، من أهم العناصر المؤثرة في صياغة التأثير المجتمعي على الأفراد، وكذلك انتماءات الشباب وقناعاتهم، فكل ذلك ينشأ تدريجياً ويتشكّل ضمن عدة مواقف متراكمة، فمثلاً للبيئة العربية خصوصيتها المكتسبة من المعتقدات والقيم المجتمعية والأعراف التي تضبط سلوكيات المجتمعات ضمن إطار الثقافة العربية المتعارف عليها عالمياً. 

عناصر المجتمع 

عناصر المجتمع: إذا حللنا البناء الاجتماعي العام لأي مجتمع نجده يتكون من العناصر الأساسية التالية:
النظام المعياري: ويتمثل في العادات والقيم. 
النظام المكاني، ويتمثل في الدور المترتب على الفرد. 
نظام العقوبات، أي القوانين. 
نظام العمل، ويتمثل في الأهداف المجتمعية. 
نظام الاستجابة المتوقع، ويتمثل في الرغبات، والطموحات، والتوقعات. 

أ ـ البيئة الطبيعية: 
وهي الإطار البيئي والجغرافي الذي يحدد المجتمع ،( وتشمل كل ما في البيئة من أوضاع طبيعية من مناخ، وتربة، ومعادن وغابات، وتضاريس ... الخ) . 
ب ـ البيئة الاجتماعية 
وهي المناخ الذي يعيش في ظله أفراد المجتمع، (وتشمل المؤسسات الاجتماعية المختلفة، والجماعات، والتجمعات، والهيئات، والمشاريع المختلفة ). 
جـ ـ السكان : وهم مجموعة الأفراد الذين يشكلون الطاقة البشرية في المجتمع . 
د ـ العلاقات الاجتماعية : وهي العمليات والتفاعلات الناجمة عن تفاعل الأفراد في البيئتين الطبيعية والاجتماعية 
هـ ـ النظم والمؤسسات الاجتماعية : وهي مجموعة الأجهزة التي تقوم بالنشاط الاجتماعي وتحقيق الوظائف الاجتماعية . 

ـ أنواع المجتمعات 

تختلف أنواع المجتمعات باختلاف التقسيمات السياسية والاقتصادية والحضارية . فمن الناحية السياسية تقسم المجتمعات تبعاً لنوع الحكم السائد فيها إلى مجتمعات ملكية، ومجتمعات أميرية ومجتمعات جمهورية، ومجتمعات مستبدة، ومجتمعات ديمقراطية، ومجتمعات شعبية. أما من الناحية الاقتصادية فتقسم المجتمعات تبعاً للنظام الاقتصادي الذي تمارسه، إلى مجتمعات رأسمالية يقوم فيها النظام الاقتصادي على حرية الأفراد في التملك، كما يشاؤون. وهي نوعان مجتمعات رأسمالية حرة، ومجتمعات رأسمالية مقيدة. والنوع الثاني من المجتمعات من الناحية الاقتصادية هو المجتمعات الاشتراكية، وهي التي يقوم فيها النظام الاقتصادي على خدمة الجماعة وخدمة الدولة وهذا بدوره يقسم إلى مجتمع اشتراكي متطرف، ومجتمع اشتراكي غير متطرف، أو مجتمع اشتراكي يميني ويساري... الخ 

أما من الناحية الحضارية ، فيتفق كثير من الاجتماعيين على تقسيم المجتمعات إلى ما يلي :

مجتمع الالتقاط : وهو أبسط أنواع المجتمعات، ويعيش أهله على التقاط الثمار من أشجار الغابات والوديان، وليس لهذا المجتمع نظام مكتوب، بل يرأسه رئيس الجماعة أو شيخ القبيلة أو ساحرها .

مجتمع الصيد : وهو مجتمع بسيط، ولكنه أكثر تطوراً من المجتمع السابق، وفيه شيء من النظام وله رئيس، ويسير أفراده على قواعد موضوعة، ولهم تراث بسيط، وغالباً ما يحكم هذا المجتمع شيخ أو رئيس يطبق أنظمة الجماعة . 

  • المجتمع القروي الزراعي : هو أكبر من مجتمع الصيد وأكثر تطوراً ، وأفراده يعملون في الزراعة أو الرعي ، وليس لديهم مؤسسات كبيرة ، وقد يوجد عندهم مدرسة ، ويكون اجتماع الناس عادة في المجتمع الريفي حول المعبد أو المؤسسة الدينية . وفي القرى الكبيرة مجالس قروية ينظم حياة الأفراد في القرية، وتؤدي لهم الخدمات المختلفة التي يحتاجونها من ماء وكهرباء وبريد ومراكز صحية ...الخ . وقد يوجد في القرية ممثلون للمؤسسات الحكومية وخاصة مؤسسة الأمن للمحافظة على القوانين والنظام . 
  •  المجتمع الريفي الحضاري : وهو أكبر من المجتمع القروي الزراعي السابق ويعتمد بصورة أساسية على الزراعة، إلا أن فيه بعض الصناعات الخفيفة المتعلقة بالإنتاج الزراعي أو الأدوات الزراعية. وفي هذا المجتمع مؤسسات وجمعيات مختلفة، وبعض الدوائر الحكومية لتنظيم شؤون المواطنين الحياتية المختلفة . 
  •  المجتمع الحضري : وهو أكثر رقياً وتطوراً، ويعتمد هذا المجتمع في الغالب على التجارة والصناعة، وتبادل الحاجيات وتوزيع المنتجات. وهو حلقة وصل بين القرى الزراعية والمدينة الكبيرة الصناعية . وفي هذا المجتمع صناعات مختلفة زراعية وغير زراعية . 
  • مجتمع المدينة الكبيرة (Metropolitan) وهو اكبر من المجتمع الحضري ويجمع بين الكثير من المتناقضات، لان سكانه خليط من عدة مجتمعات اصغر نسبيا وهو مجتمع متعدد الطبقات والاجناس والاديان والقوميات وينطبق مثل هذا المجتمع على المدن الكبيرة والعواصم لأنها تجمع لعدة مجتمعات وقد تقيم كل جماعة في حي معين او منطقة معينة ضمن مجتمع كبير ومثال ذلك المدن الكبرى في البلاد العربية . 
  •  مجتمع المدينة العظمى أو المدينة الولاية (Super Metropolitan) أو (Megalopolis) وهو مجتمع المدينة الكبيرة جدا ، المدينة الولاية التي تضم في جنباتها عددا من المدن والقرى المجاورة وفي هذه المدن يوجد خليط كبير من المجتمعات المختلفة وقد يعيش بعضها مستقلا كل الاستقلال عن البعض الاخر في خدماتها او أنظمتها او مؤسساتها ومن هذه المدن القاهرة ، نيويورك ، طوكيو ، لندن . 
  • المجتمع المغلق : ويقصد بالمجتمع المغلق، المجتمع الذي يتكون من وحدة واحدة لها مبادئها ونظمها ومعتقداتها وقوانينها وتقاليدها وطريقة حياتها الخاصة؛ مثال ذلك (المجتمعات الطائفية، والمجتمعات الطبقية، والمجتمعات المهنية). ويطلق على هذه المجتمعات عادة، تجمعات الأقلية، فتكون في العادة ضمن مجتمع أكبر في المدينة العظمى أو المدينة الكبيرة، وقد تكون معزولة عن باقي المجتمعات . 
  • المجتمعات الآنية أو المؤقتة : وهذا النوع من المجتمعات يتجمع أفراده لفترة زمنية محددة وقد تتحول بعدها إلى أي نوع من أنواع المجتمعات السابقة أو أنها تزول بزوال الغرض الذي أنشئت من أجله. وتكون أحياناً مجتمعاً شريطياً وهو عبارة عن التجمعات السكانية على جانبي الطريق التي تربط بين مدينتين كبيرتين أو صغيرتين، ولا يتبعون لأي منهما، وقد ينضمون فيها بعد لإحدى المدينتين . 

أهمّيّة التربية للفرد والمجتمع 

التربية عنصر هامّ جدّاً وفعّال، سواء على المستوى الفرديّ وعلى المستوى الجماعيّ، فإن صلح الفرد صلح المجتمع، إذ إنّ المجتمع عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يرتبطون فيما بينهم بعلاقات مختلفة وهامّة، وللتربية الحسنة أهمّيّة كبيرة في العديد من المجالات نذكر منها: تُساعد على تنشئة جيل حسن الأخلاق قادر على التعامل مع الإنسان على أساس أنّه إنسان لا على أيّ أساس آخر، ممّا يرفع ويعلي من قيمة المجتمع ككلّ، ويحسّن صورته وسمعته أمام المجتمعات الأخرى. تعطي الفرد قبولاً واستحساناً بين مجموعة الأفراد، فالتربية الحسنة تُضفي على الإنسان أخلاقاً عالياً، ومثاليّة جميلة. خطّ الدفاع الأول والأخير في وجه كلّ الشرور التي تعاني منها المجتمعات المختلفة، فكلما ارتفع مستوى التربية، كلما ارتفع مستوى الأخلاق، ممّا ينعكس بشكل إيجابي ّعلى مستويات الجرائم في المجتمعات والدول؛ فالمجتمعات الأخلاقيّة تنخفض فيها الجرائم بشكل كبير. تجعل الفرد قادراً على العطاء والبذل بشكل أكبر، فالذي ينال قدراً عالياً من التربية يكون على قدرة عالية من الإحساس بغيره من الناس الذي يعانون الأمرَّين بسبب المشاكل التي تعترضهم، فتراه يساعد هذا، ويأخذ بيد ذاك بكل صمت وهدوء. ترفع من سوية الإنتاج والعمل في الدولة، فالدولة التي يعيش على أراضيها مواطنون صلحاء، لن تعرف التراجع؛ فكلّ أيّامها ستكون عبارة عن درجات لسلم الرقي والرفعة، وليس على سلم الهبوط والانحطاط. هذه الأهمّيّة للتربية لن تبرز في البيئات التي تعاني من عدم تحمل الأفراد لمسؤلياتهم؛ فالتربية الحسنة وظيفة مشتركة بين كافّة أفراد المجتمع، تبدأ التربية من المنزل فهو حجر الأساس الذي يُبنى عليه، فلو كان البيت صالحاً كان الفرد صالحاً، وبعد ذلك تأتي المدرسة، والأقارب، والجيران، والشارع، فكلّ هذه العناصر هامّة جدّاً في عمليّة التربية؛ إذ إنّ كل واحد منها يؤثّر بطريقته الخاصّة على الفرد ويكسبه قيماً معيّنة، ومن هنا فإنّه يمكن القول أنّ التربية الحسنة لو سادت وانتشرت بين الجميع لخرج أفراد صالحون، فلو حدث نقص في مكان ما يتمّ تعويضه من مكان آخر وهكذا. 

أهمية التربية للفرد :

التربية ضرورة فردية من جهة وضرورة اجتماعية من جهة أخرى فلا يستطيع الفرد الاستغناء عنها ولا المجتمع أيضا وكلما يرقى الإنسان ويتحضر ازدادت حاجته إلي التربية وأصبحت شيئا ضروريا لا كماليا فالتربية تحقق للفرد عملية الانتماء الاجتماعي وتشبه حاجته إلي التعامل مع أفراد المجتمع والمجتمعات الأخرى وتحقق له الاستمرار النفسي حيث يشعر بالانتماء والانضمام إلي جماعة تقبله لا نفاقه مع أعضائها في كثير من القيم والاتجاهات مع غيرها مما تكسبه الأفراد الآخرون والوليد البشري يولد عاجزا تماما عن إشباع أي حاجة من حاجاته الأساسية أو توفر الأمن والحماية لنفسه . 

فالفرد يحتاج إلي التربية لأنه يولد مختلفا من النضج والنمو ويظل فترة طويلة لا يملك ما يعنيه علي رعاية نفسه والتفاعل مع غيره أي إن الوليد يحتاج إلي كل عناية جسمية ونفسية واجتماعية من جانب الكبار المحيطين به والذين يطبعونه علي حياة الجماعة ومما يزيد من حاجة الفرد إلي التربية إن البيئة الإنسانية والمادية تتعاقد مع الزمن وتشبع عناصرها ومكوناتها فرصيد الجنس البشري من المهارات والأفكار مما جعل الفرد في حاجة إلي كثير من الخبرات التي تعينه علي التكيف مع البيئة والتوافق مع ظروف الحياة المتغيرة المتجددة وهكذا تتضح ضرورة التربية وأهميتها بالنسبة للفرد وذلك للأسباب التالية : 
  • العلم لا ينقل من يل لآخر بالوراثة : وهذا سبب واضح بين حديثي ولادة الأفراد علي اختلاف مستويات آبائهم الثقافية وعقولهم الخالية من أي اثر للمعلومات والمعارف وبمعنى آخر فان الثقافة ليست مورثة بيولوجيا كلون العين وطبيعة الشعر والقدرات الخاصة يرثها الأبناء عن الآباء دون عناء وإنما هي ميراث اجتماعي كافحت الأجيال البشرية المتلاحقة لاكتسابه وحفظه عبر السنين بالجهد والعرق إذا ما أراد جيل الكبار نقل تراثه الثقافي إلي الصغار فلابد له من عملية تربية تساعد في هذا الأمر ومن هنا تبرز أهمية التربية للفرد وحاجتهم إليها وقد أكدت أقوال العلماء المربين الكثيرة هذه الأهمية التي تتمتع بها التربية وحاجة الأفراد إليها يقول الإمام الغزالي ” لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم أي أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حد الهمجية إلي حد الإنسانية ” . 
  • الطفل البشري مخلوق كثير الاتكال قبل التكيف : يمتاز الطفل البشري بأنه مخلوق ضعيف كثير الاعتماد علي أفراد من بني جنسه بمقارنته مع صغار الحيوانات الأخرى فهو أطول الكائنات الحية طفولة وهذا راجع إلي انه يولد قبل أن يتم نضجه واكتمال قدرته علي مواجهة الحياة كالحيوانات الأخرى فتتلقاه البيئة وتساعد ه في تحقيق النضج وضعف الطفل البشري ترافقه خاصية أخرى من مرونته أو قدرته علي التكيف السريع كما نما وترعرع بالمقارنة مع الحيوانات الأخرى التي تقف عند حد لا تتجاوزه ونظرا لهاتين الخاصتين في الطفل البشري فانه يحتاج إلي كثير من الرعاية وتوجيهه حتى يعتمد علي نفسه ويسهم في تحسين مجتمعه ومدرسته هي التي تقوم بهذه المهمة الصعبة والخطيرة . 
  • البيئة البشرية كثيرة التعقيد والتغيير : يولد الطفل البشري في بيئة معقدة ماديا واجتماعيا وروحانيا يصعب عليه التكيف معها كما ارتقى المجتمع البشري وازدادت البيئة تعقيدا واتساعا ومشكلات وازدادت حاجة الفرد بالتالي إلي التربية لتبسيط البيئة وحل مشكلاتها والتكيف معها أم تغيير البيئة السريع فهو مما يزداد الفرد حاجته إلي التربية ولذا فواجب المدرس إعداد الناشئين لعالم اليوم والغد معا عن طريق تعودهم والمرونة في أفكارهم وعملهم واحتياجاتهم ليكونوا قادرين علي تكيف أنفسهم تبعا للتغير الذي يجري حولهم في شتى نواحي الحياة وبمعنى آخر فان واجب المعلمين أن يعودوا الناشئين علي التفكير المستقل وحل مشكلاتهم بأنفسهم إلا أن يلقونهم حلولا جاهزة وقد قال الإمام علي بهذا المعني لا تعودوا بنيكم علي أخلاقكم فإنهم مخلوقون في زمان غير زمانكم . 

أهمية التربية للمجتمع : 

هي التي تمكن المجتمع من أن يرى نفسه ويراجع ذاته ويبحث أوضاعه سعيا وراء التجديد وتمكن كل جيل من أن يتناول ما تصل إليه من تراث ثقافي بالإضافة والحذف والتغيير فيه والتصحيح والتطوير . 

والحضارة الإنسانية تدين بوجودها إلي التربية التي تمكن كل جماعة من أن تنتقد نظامها وتصلح عيوبها وتعالج مشكلاتها وتواجه التحديات المختلفة التي تواجهها فالتربية ضرورية من ضروريات الحياة وخاصة في المجتمعات النامية إذ تعد الأفراد الذين لديهم من القيم الخليقة والمهارات الاجتماعية والطاقات الفكرية ما يمكنهم من العمل علي أن يلحق مجتمعهم بركب الحضارة الدائب السعي السريع الخطوة وهي لازمة لنهوض الفرد والمجتمع ورقيهما حيث أنها الوسيلة لبناء البشر وتزويد الأفراد تبعا لأعمارهم وقدراتهم ومستويات نضجهم بالمواقف التي تنمي العقلية الابتكارية التي تمكنهم من اكتشاف آفاق جديدة تنهض بواقعهم 

فالمجتمعات تعتمد اعتمادا حياتيا علي التربية إذ هي وسيلة بقائه واستمراره وتثبيت أهدافه ومفاهيمه واتجاهاته وصنع مستقبله وبناء قوته السياسية والاجتماعية ولذلك فلا عجب أن يكون علي رأس البرامج والمشروعات التي تضطلع بها الدول الحديثة . 

أسباب ضرورة التربية للفرد و المجتمع 

وبناء علي ما تقدم يمكن القول بان التربية ضرورية وهامة بالنسبة للفرد والمجتمع وذلك للأسباب التالية : 
  1. التربية استراتيجية قومية كبرى لكل شعوب العالم : وأصبحت لا تقل من حيث الأولوية عن أولوية الدفاع والأمن القومي ذلك أن رقي الشعوب وتقدمها وحضارتها تعتمد علي نوعية الأفراد وليس عددهم ولتزايد أهمية التربية فان حياة الشعوب أصبحت تمثل اهتماما قوميا لكل الحكومات ولا يمكن لأي حكومة أن تترك ميدان التربية لتتولاه الجهود المحلية دون توجيه قومي منها ومن هنا يتضح أن التربية أصبحت تمثل عصب الحياة للشعوب . 
  2.  أنها عامل هام في التنمية الاقتصادية للشعوب :فالعنصر البشري أهم ما تمتلكه أي دولة وقد تؤكد الدور الهام الذي تقوم به التربية في زيادة الدخل القومي وأصبح ينظر للتربية من الناحية الاقتصادية علي أنها استثمار قومي للموارد البشرية وللتربية در هام في تنشيط المؤسسات الصناعية والإنتاجية من خلال تطوير المعرفة وأساليب العمل والإنتاج . 
  3. إنها عامل هام في التنمية البشرية : للتربية دور هام في التنمية البشرية للأفراد من حيث كونهم أفرادا في علاقة اجتماعية تفرضها عليهم أدوارهم المتعددة في المجتمع كالقيام بدور المواطنة الصالحة القادرة علي تحمل المسؤوليات والقيام بالواجبات التي تفرضها هذه المواطنة وممارسة الحقوق والواجبات القومية والاجتماعية والقيام بدور الأب والأم ونجاح هذه الأدوار يتوقف علي درجة النضج التربوي . 
  4.  إنها ضرورة لإرساء الديموقراطية الصحيحة :فهناك مثل يقول كلما تعلم الإنسان زادت حريته هذا يعني ارتباط الحرية بالتعليم فالتعليم يحرر الإنسان من قيود العبودية والجهل والحرية يمكن أن تعمل في ظل الأمية أو الفقر الثقافي وهذا يبز أهمية التربية في تكوين المواطن الحر المستنير القادر علي المشاركة . 
  5. إنها ضرورية للتماسك الاجتماعي والوحدة القومية والوطنية : فالتربية عامل هام في توحيد الاتجاهات الدينية والفكرية والثقافية لدى أفراد المجتمع وهي بهذا تساعدهم في خلق وحدة فكرية تساعدهم علي التفاعل وتؤدي إلي ترابطهم وتماسكهم . 
  6. أنها عامل هام في إحداث الحراك الاجتماعي : ويقصد بالحراك الاجتماعي أو التنقل الاجتماعي Social Mobility ترقى الأفراد وتقدمهم في السلم الاجتماعي والتنقل إما أن يكون أفقيا وهو اتنقال الظاهرة الثقافية من الشخص أو الجماعة إلي شخص أو جماعة أخرى متشابهين أو متطابقين وراسيا إذا مرت هذه الظاهرة الثقافية من أعلى إلي أسفل أو من أسفل إلي أعلى وقد يكون هناك تنقل توسطي إذا ظلت مراكز الناس ومواضعهم عند التنقل غير محددة وبالنسبة للفرد يكون التنقل أفقيا إذا انتقل من جماعة اجتماعية إلي جماعة أخرى لها نفس المستوى وراسيا إذا انتقل من جماعة أدنى أي جماعة أعلى أو العكس ويتأثر التنقل الاجتماعي بالظروف والأسباب التالية : 
  • التغير الاجتماعي : حيث يسهل عملية انتقال الأفراد من أدنى السلم إلي أعلاه أو العكس كما يعمل علي فتح الطبقات وإزالة التحديدات الطبقية الضيقة . 
  • وسائل الاتصال : فكلما زادت وسائل الاتصال بين الناس وبين الجماعات كلما شجع هذا علي التنقل الاجتماعي والعكس صحيح . 
  • تقسيم العمل: وهو العامل الثالث المؤثر في عملية الحراك الاجتماعي فكلما اتسع نطاق تقسيم العمل وتنوع التخصص إلي درجة معقدة فان ذلك يخلق ظروفا تعوق الانتقال السهل من طبقة إلي أخرى داخل المجتمع وربما كان تقسيم العمل والتخصص احد العوامل الهامة في المجتمع الحديث التي أدت إلي خلق التمايزات بين الناس وتصنيفهم ي فئات وطبقات . 

وتلعب التربية دورا هاما في التقدم والحراك الاجتماعي لأنها تزيد من نوعية الفرد وترتفع بقيته ومن ثم يتحسن دخله ويزداد بمقدار ما يجيد من مهارات ومعرفة ويترتب علي زيادة دخله تحسن وضعه الاقتصادي والاجتماعي 

4. إنها ضرورية لبناء الدولة العصرية : فالدولة العصرية تعني الدول التي تعيش عصرها علي أساس من التقدم العلمي ويتمتع فيها الفرد بالحياة الحرة الكريمة ويرفرف علي جوانبها أعلام الرفاهية و العدالة الاجتماعية . 

هل ترتبط التربية بالمجتمع؟ 

طبيعة العلاقة بين التربية والمجتمع تتداخل العوامل المؤثرة في العملية التربوية، ويعد المجتمع واحداً من أهم تلك العوامل، فمنذ مرحلة مبكرة يبدأ الطفل بالتفاعل مع مجتمعه المصغر، أي أسرته، ليبدأ مرحلة إدراكية جديدة، ويبدأ معها أثر هذا التفاعل بالظهور على سلوكيات الطفل البسيطة، بحيث تتطور كفاءات الطفل وتنمو شخصيته وإدراكه، بالتزامن مع تطور تفاعله الاجتماعي، كنوع من أنواع تطور العلاقة الكردية بين التفاعل مع المجتمع وتأثيره على التربية بصفة عامة. 

تتمثل العلاقة بين التربية والمجتمع ضمن ثلاثة محاور رئيسية، تتنامى منذ الطفولة، أولها طبيعة السياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد، خاصة على نطاق الأسرة التي تتولى شؤون الرعاية والتوجيه المباشرين، أما ثاني المحاور فهو ما يتعلّق بتطور الكفاءات المرافقة للنمو الطبيعي والنضوج الفكري، والمحور الثالث هو ذلك التصوّر الذي يكوّنه الفرد عن ذاته والمجتمع. 

الشروط التي ينبغي توافرها في التربية كي تستطيع بناء دور الفرد في المجتمع 

  1. أن تعالج التغير في الميدان الاجتماعي والصناعي والسياسي وفي ميدان التوجيه الروحي والفلسفي، وميدان التكوين الخلقي والنشاط الثقافي في آن واحد، وذلك أن تركيز الجهود في إصلاح ناحية واحدة من هذه النواحي مع إهمال النواحي الأخرى يعتبر هدمًا للتقدم برمته، فيجب أن تكون التربية شاملة في نظرتها عميقة في أصولها، بحيث تبدأ من مشكلتنا الحقيقية وهي مشكلة التفاوت بين الأجيال التي تعيش في وقت واحد في مجتمعنا الحاضر.. ولكن بتقاليد أو بعقليات وثقافات متفاوتة، وذلك بأن تتمكن هذه التربية من بناء ثقافة مشتركة حية.
  2. أن تحول التربية نفسها إلى طاقات للتغير والتجديد والانطلاق لأن التربية السليمة هي التي تقدم على التغييرات الضرورية، إذا دعت الحاجة وما أحوج مجتمعنا إلى التغيير والمزيد منه في عصر تزداد فيه سرعة التغيير بدرجات لم يسبق لها مثيل، والسبب إلى هذا كله يرجع ألى تربية جديدة تستمد مقوماتها وأهدافها من استراتيجيتنا الجديدة التي أساسها الإيمان بالتغير والأخذ بأسباب التجديد من علم وديمقراطية ووحدة. 
  3. أن تنصب التربية على طاقات التغير والتجديد والانطلاق وهم الأفراد، حيث يتحدد عملها ومدى فعلها في الاندفاع المرغوب فيه على جميع المستويات، وذلك أن مصدر التغير لا يوجد في الأنظمة والقوانين بقدر ما يوجد في الأفراد، وانها تبدأ بالأفراد بفعل وعيهم المتزايد بمشكلات مجتمعهم وتطلعهم إلى مستقبل أفضل، وبقوة إدارتهم على التحرك والاندفاع للقضاء على هذه المشكلات والوصول من بعد ذلك إلى المستقبل بما يتضمنه من تصورات جديدة عن الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تقوم عليه هذه الأنظمة من قيم خلقية – ولا بد أن ننوه إلى أن ثروة الأمم هي الأفراد حيث أن هذا المصدر من الثروة هو الذي يتوقف عليه تحويل المصادر الطبيعية إلى أشياء مفيدة يمكن استغلالها وتدبيرها وتوجيهها إلى حيز المجتمع، كما يتوقف عليه إبعاد الأمة عن أن تكون موضع أطماع الآخرين ولكن إيجاد الطاقة البشرية الواعية المنتجة وذلك بالعمل الذي ينقل الأشياء من طور إلى طور، وترجمة المفاهيم الجديدة إلى سلوك يترتب عليه إنتاج أجيال أسعد واقدر وأذكى من الأجيال السابقة، وفي هذا خير وضمان لعدم انتكاس الوعي الذي وجد بل خير ضمان لكي تبنى الأجيال القادمة فوق الأساس الذي تحول التربية إرساءه. 
الاسمبريد إلكترونيرسالة